غاز العراق على المحك.. استثمارات غربية تصطدم بـ"جموح الفصائل"

شفق نيوز – ترجمة خاصة
ذكرت مجلة أتالايار الاسبانية، يوم الخميس، أن العراق
يواجه لحظة مفصلية في مساعيه لاستثمار ثروته الغازية الهائلة، إذ يتجه نحو
الاعتماد على شركات أميركية كبرى لتنفيذ مشاريع ضخمة للحد من الهدر وتوليد الطاقة،
فيما أشارت إلى أن تحقيق هذه الأهداف يظل مرهونًا بقدرة العراق على مكافحة التطرف
وتقليص نفوذ الفصائل المسلحة، التي تشكل تحديًا أمام جذب الاستثمارات الأجنبية.
وذكرت المجلة في تقرير ترجمته وكالة شفق نيوز، أن
"العراق يواجه لحظة حاسمة لاستغلال إمكاناته الهائلة من الطاقة، وخاصةً في
مجال الغاز الطبيعي، وحالياً يُحرق جزء كبير من الغاز المرتبط بإنتاج النفط"،
مبينة انه "في عام 2023، حرق العراق حوالي 1.2 مليار قدم مكعب قياسي من الغاز
يوميًا مما يُمثل هدرًا هائلًا للطاقة ومشكلة بيئية، وفي الوقت نفسه، يعتمد العراق
على واردات الغاز من إيران، والتي يبلغ إجماليها حوالي مليار قدم مكعب قياسي
يوميًا، وهي واردات غير موثوقة، لا سيما في أعقاب حالة عدم الاستقرار الناجمة عن
الصراع الأخير بين إيران وإسرائيل".
واضاف التقرير، أن "قرار إدارة ترامب في مارس/آذار
بعدم تجديد الإعفاءات التي تسمح للعراق باستيراد الغاز والكهرباء من إيران، ادى
إلى تعريض البلاد لانقطاعات كهربائية مطولة وانهيار شبكات الكهرباء، ومع تجاوز
درجات الحرارة 50 درجة مئوية في الصيف، وشبكة الكهرباء التي وصلت بالفعل إلى أقصى
طاقتها الإنتاجية، حيث تنتج 16,000 ميغاواط، ويصل الطلب إلى 55,000 ميغاواط في
أوقات الذروة، دخل العراق في سباق مُلحّ لتأمين مصادر بديلة".
وبين أن "العراق يُعد من بين الدول الخمس الأكثر
استهلاكًا للغاز في العالم، ورغم احتلاله المرتبة الثانية عشرة عالميًا من حيث
احتياطيات الغاز الطبيعي، إلا أن معظم هذا الغاز لا يُستخرج مباشرةً، بل يُسمى
"غازًا مصاحبًا"، أي غازًا يُستخرج كمنتج ثانوي أثناء استخراج النفط،
وخاصةً في جنوب البلاد، وبدلًا من الاستفادة من هذا الغاز، يُحرق جزء كبير منه،
مما يُمثل خسارة فادحة للموارد ويُسبب التلوث".
وتابع: "تمضي بعض مشاريع استغلال الغاز الرئيسية
قدمًا، ومن أبرزها مشروع "النمو المتكامل للغاز" الذي تقوده شركة توتال
إنرجيز الفرنسية، ويتضمن هذا المشروع إنشاء مركز أرطاوي للغاز، الذي سيعالج ما يصل
إلى 600 مليون قدم مكعب يوميًا من الغاز المصاحب من عدة حقول نفطية في جنوب
العراق، وفي يناير، بدأت توتال إنرجيز وشركاؤها شركة نفط البصرة العراقية وشركة
قطر إنرجيز في بناء أول منشأة لمعالجة الغاز من حقل أرطاوي الواقع في محافظة
البصرة، وعند تشغيلها، ستعالج هذه المنشأة مبدئيًا 50 مليون قدم مكعب يوميًا من
الغاز الذي كان يُحرق سابقًا، والذي سيُستخدم لتوليد الكهرباء محليًا".
واشار التقرير، إلى "مشاركة شركات صينية أيضًا في
بناء هذه البنية التحتية، كما تشارك الصين في مشاريع طاقة كبرى أخرى في العراق،
مثل محطة معالجة الغاز في الحلفاية، التي بدأت عملياتها في يونيو/حزيران 2024،
إضافةً إلى ذلك، هناك مشروعٌ مهمٌّ آخر، وهو مشروع شركة غاز البصرة، وهو مشروعٌ
مشتركٌ بين شركة غاز الجنوب العراقية وشركتي شل وميتسوبيشي العالميتين"،
موضحا ان "هذه الشركة تعد حاليًا أكبر مشروعٍ لمعالجة الغاز المصاحب في
البلاد، حيث تُعالج الغاز المُستخرج من بعضٍ من أكبر حقول النفط في الجنوب، مثل
الرميلة، وغرب القرنة 1، والزبير".
وبحسب التقرير، فإن "العلاقة بين الولايات المتحدة
والعراق اتسمت بعقود من التوتر والصراع الذي ترك ندوبًا عميقة على الاستقرار
الإقليمي، وفي عام 2003، وفي ظل إدارة جورج دبليو بوش، قادت الولايات المتحدة
غزوًا أطاح بنظام صدام حسين، بناءً على الشكوك التي تم تفنيدها لاحقًا بأن العراق
لا يمتلك أسلحة دمار شامل، وقد سهّل انعدام الأمن ظهور الفصائل المسلحة والجماعات
المتطرفة، مما أطلق العنان لدوامة من العنف الطائفي والإرهاب"، منوها الى ان
"كلا البلدين يسيران على طريق جديد نحو إعادة بناء مستقبل مزدهر، ورغم جسامة
التحديات، فإن الحوار المتجدد والمشاريع المشتركة في قطاعات رئيسية، كالطاقة
والأمن، تفتح نافذة أمل للعراق".
ولفت الى انه "في أبريل/نيسان، وقّع العراق مذكرة
تفاهم مع شركة جنرال إلكتريك فيرنوفا لبناء محطات توليد طاقة تعمل بالدورة المركبة
بقدرة إجمالية تبلغ 24,000 ميغاواط ، وهو أكبر مشروع في تاريخ البلاد الحديث،
رافقه اتفاقية أخرى مع شركة يو جي تي رينيوابلز لإضافة 3,000 ميغاواط من الطاقة
الشمسية، وتقنيات نقل متطورة، وتمويل دولي، ويمثل هذا المشروع أحدث الجهود في
تاريخ البلاد لتحسين قدرتها على توليد الكهرباء، وبالإضافة إلى ذلك، تجري بالعراق
محادثات متقدمة مع شركة إكسليريت إنرجي، وهي شركة أمريكية، لتسهيل أولى وارداتها
من الغاز الطبيعي المسال، وهو ما من شأنه أن يمثل خطوة مهمة نحو تنويع مصادر
الطاقة".
واوصى التقرير الحكومة العراقية بـ"جذب الاستثمارات
الأجنبية والاستفادة من إمكانات العراق الهائلة في مجال الطاقة، من خلال توفير
الأمن"، مشيرا الى ان "العراق يواجه تحديين رئيسيين، وهما مكافحة التطرف
العنيف، والحد من نفوذ الفصائل المسلحة المقربة من إيران، والتي لا تزال تعمل خارج
نطاق سيطرة الدولة، وبالنسبة للولايات المتحدة، يُعد دعم بغداد على هذين الصعيدين
أولوية".
واكد انه "منذ عام 2014، تحتفظ الولايات المتحدة
بقوات في العراق ضمن تحالف دولي لمحاربة داعش. ورغم هزيمة التنظيم إقليميًا عام
2017، إلا أنه لا يزال ينشط من خلال خلايا متفرقة تسعى إلى زعزعة استقرار
البلاد"، مذكرا انه "وفي عام 2023، بدأ العراق بتحويل هذه العلاقة
العسكرية مع القوات متعددة الجنسيات إلى تحالف ثنائي مباشر مع الولايات المتحدة،
ورغم السياق الإقليمي المعقد، الذي اتسم بعدم الاستقرار في سوريا والصراع بين
إيران وإسرائيل، إلا أن البلدين يشتركان في مصالح أمنية مشتركة".
ووفقا للتقرير، فإنه "خلال عام 2025، عزز العراق
حماية القواعد الأمريكية الاستراتيجية، مثل قاعدة الأسد ومعسكر النصر، بنشر قوات
محلية وأنظمة دفاع صاروخي متطورة، بما في ذلك تقنيات مراقبة الطائرات المسيرة،
وتأتي هذه الإجراءات استجابةً للتهديدات المتزايدة من الفصائل المسلحة، التي حذّرت
من شنّ هجمات على أهداف أمريكية إذا تدخلت واشنطن في الصراع بين إيران وإسرائيل،
وعلاوةً على ذلك، في يونيو/حزيران 2025، أكّد العراق مجدداً على ضرورة الحفاظ على
وجود التحالف الدولي ضد داعش على أراضيه، مُجادلاً بأن التهديد الإرهابي يمتد إلى
ما وراء سوريا ولا يزال قائماً".
وتشير التقديرات إلى أن ما بين 1500 و3000 مقاتل من داعش
يُعيدون تنظيم شبكاتهم، وخاصةً في المناطق الحضرية، مما يجعل التعاون الدولي أمراً
حيوياً لاحتواء هذا التهديد، وفقا للتقرير، موضحا أن "بغداد وواشنطن عززتا
تعاونهما من خلال حوار التعاون الأمني، الذي عُقد للمرة الثانية في يوليو/تموز
2024 في واشنطن، وقد وُضعت خلال هذه الاجتماعات خطط للانتقال من التحالف متعدد
الجنسيات إلى علاقة ثنائية تُركز على التدريب والمساعدة الفنية والدعم
الاستخباراتي، وبموجب هذه الاتفاقية، ورغم أنه من المتوقع انسحاب مئات القوات
الأمريكية بحلول نهاية عام 2025، ستبقى قوة عسكرية للحفاظ على القدرات الأساسية في
الحرب ضد داعش".